كلودين عون خلال حدث جانبي بمناسبة انعقاد الدورة 68 للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة بعنوان : “اقتصاد الرعاية في عالمٍ متغيّر: المساواة في التشارك بين النساء والرجال في توفير خدمات العناية والتدبير المنزلي، كأداة لتحقيق الإنصاف والتماسك في المجتمع”:
” لا شكّ في أن مشاركة الرجال في أعمال الرعاية والتدبير المنزلي، تشكّل مثالاً يحتذي به الأولاد في الأسرة، والذكور منهم بنوع خاص، مما يؤثر على تكوين ذهنية لديهم، لا تفرّق بين أدوار إجتماعية تُخصّص للرجال وأخرى للنساء، وهذا ما يساعد على نشر ثقافة مبنية على المساواة بين الجنسين في المجتمع.”
نظّمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ومنظمة المرأة العربية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع كلّ من مصر وألمانيا والأردن والمغرب وسلطنة عمان وإسبانيا والسويد، حدثاً جانبياً بمناسبة انعقاد الدورة 68 للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة بعنوان : “اقتصاد الرعاية في عالمٍ متغيّر: المساواة في التشارك بين النساء والرجال في توفير خدمات العناية والتدبير المنزلي، كأداة لتحقيق الإنصاف والتماسك في المجتمع” .
هدف اللقاء إلى الإضاءة على بعض التحولات الرئيسية في الأدوار داخل الأسرة، والحاجة إلى توفير الرعاية للأطفال والمسنين والفئات الاجتماعية الأخرى، وإبراز الفائدة من مشاركة الذكور في تقديم العناية داخل الأسرة، و تعزيز تبادل المعرفة بالممارسات الناجحة وبالمبادرات الكفيلة بتشجيع مشاركة الرجال في تقديم الرعاية والعناية، وفي تعزيز المساواة بين الجنسين.
كما هدف اللقاء إلى مناقشة التحديات والفرص المتاحة في بلداننا لتعزيز صورة إيجابية لصفات الأنوثة والذكورية.
شارك في اللقاء السيدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، والدكتورة فاديا كيوان المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية، والدكتورة سيما بحوث المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة ورئيسة المجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية، والسيدة Svenja Schulze وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية في الحكومة الألمانية، والسيدة وفاء بني مصطفى وزيرة التنمية الاجتماعية ورئيسة اللجنة الوزارية لتمكين المرأة في المملكة الأردنية الهاشمية، والدكتورة عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في المملكة المغربية وعضوة المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية، والسيدة معاني بن حمد البوسعيدي المديرة العامة للتنمية الأسرية في وزارة التنمية الاجتماعية في سلطنة عمان وعضو المجلس التنفيذيلمنظمة المرأة العربية، والسيدة Ana Redondo García وزيرة المساواة في اسبانيا، والسيدةPaulina Brandberg وزيرة المساواة بين الجنسين والحياة العملية في السويد، والسيدة سوزان مخايل المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية والوزيرة السابقة السيدة وفاء الضيقة حمزة رئيسة المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية وعدد من أعضاء الوفود الرسمية المشاركة في اجتماع لجنة وضع المرأة، وحشد من مختلف دول العالم.
افتتحت السيدة عون اللقاء بكلمة قالت فيها: ” يمثل التمكّن من كسب العيش وتحصيل الدخل المالي وصولاً إلى تحقيق استقلالية اقتصادية ذاتية، خطوة هامة في حياة كل إنسان، إذ من شأنها عادة، نقل صاحبها من موقع اجتماعي إلى آخر، من طور الاتكال على الغير إلى طور تحمل مسؤولية القرارات الشخصية. كان هذا الأمر بديهياً عبر العصور، إنما للرجال وليس للنساء.
في عالمنا المعاصر نرى أن الأمور تغيرت إلى حدّ كبير في البلدان التي اختبرت الثورة الصناعية منذ أكثر من قرن من الزمن، ونشأت فيها ما يعرف بدولة الرعاية.
إنما مسار التطور التاريخي لبلداننا النامية، في المنطقة العربية بنوع خاص، أتى مغايراً. فمع الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أبطأت تطوير مؤسسات الدولة وأعاقت توفر الخدمات الاجتماعية، لم يتمكن أفراد الأسرة من الإفادة من شبكة أمان إجتماعية، تتيح لهم فرصاً جديدة لتطوير النسق التقليدي للعيش، وظلت محدودة الإمكانيات المتاحة أمام النساء للعمل خارج المنزل.”
وأضافت: “بديهي القول أن السلوكيات تتغير مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتتغير معها أنماط العيش. فقد شكّل التطوّر الناتج عن دخول النساء إلى سوق العمل عاملاً مساعداً على تطوير الذهنيات، إنما لم يحمل معه تحولاً جذرياً وتلقائياً في الموقف من المُساواة بين الجنسين. فهذا الموقف ولو أنه يتأثر بالتحول في السلوكيات، -بمشاركة الوالد مثلاً أكثر من الماضي، بالعناية بالأطفال- يرتبط بشكل مباشر بالجو الثقافي السائد في المجتمع المعني. والثقافة السائدة تستند بشكل أساسي على قواعد معيارية تعبّر عنها التشريعات، ويتمّ تناقلها بواسطة التربية في الأسرة وعبر المناهج التعليمية في المدارس ويتم الترويج لها عبر وسائل الإعلام والأعمال الأدبية والفنية.
إنما على المدى الأبعد، لا شكّ في أن مشاركة الرجال في أعمال الرعاية والتدبير المنزلي، تشكّل مثالاً يحتذى به الأولاد في الأسرة، والذكور منهم بنوع خاص، مما يؤثر على تكوين ذهنية لديهم، لا تفرّق بين أدوار إجتماعية تُخصّص للرجال وأخرى للنساء، وهذا ما يساعد على نشر ثقافة مبنية على المساواة بين الجنسين في المجتمع. الواقع أن التوصل إلى تحقيق مساواة بين الجنسين في مجتمع متماسك يتطلب تضافر عوامل عدة، منها الاعتراف بحقوق متساوية للرجال والنساء وتحقيق النساء لاستقلالية اقتصادية ذاتية. بالنسبة إلى التجربة التي نخوضها في لبنان في هذا الموضوع، أود أن الفت إلى أن بعض المظاهر الاجتماعية تدل على أن الشباب من الآباء يبدون اهتماماً أكبر بتربية أولادهم مما كان يبديه أسلافهم.”
وتابعت: “إنما لغاية اليوم، وباستثناء الحملات التوعية التي تنظمها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وبعض المنظمات بغية الترويج لأهمية تقاسم المهام الأسرية بين النساء والرجال، تتم مقاربة موضوع التخفيف من أعباء خدمات الرعاية التي تقع على كاهل النساء من وجهة نظر اقتصادية. فالحاجة الأولى البارزة اليوم في لبنان هي مكافحة الفقر الذي بات يطال غالبية السكان ومن السبل المتاحة لذلك، زيادة نسبة مشاركة النساء، في العمل الاقتصادي التي هبطت منذ عامين بسبب الأزمات المتراكمة إلى حوالي 22% من القوى العاملة. وقد دلت الدراسات على أن السبب الأول الذي تبرزه النساء لعدم قيامهنّ بعمل اقتصادي هو ضرورة توفير العناية للأولاد والاهتمام بالتدبير المنزلي، كذلك أظهرت أيضاً هذه الدراسات نقصاً كبيراً في توفر دور رعاية تقديم خدمات مجانية أو بتكلفة محدودة، وذات جودة لصغار الأولاد قبل سن الثالثة من العمر. لذا لحظت الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية التي أقرتها مؤخراً الحكومة اللبنانية، من بين، المبادرات التي تضمنتها لتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، تصميم وتنفيذ برامج تضمن الوصول إلى خدمات رعاية الطفولة المجانية أو المدعومة.
يشكل هذا الإدراك الرسمي للحاجة إلى زيادة مساهمة المرأة في الاقتصاد الوطني واعتماد المبادرات الكفيلة بتشجيعه، خطوة إيجابية على طريق إحراز التقدم في الموقع الذي تحتله النساء في المجتمع، لكن تعزيز هذا الموقع الذي نعمل من أجله في المنظمات النسائية وفي الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالذات، يتطلب أولاً تصحيحاً للتشريعات التي لا تزال مجحفة بحقوق المرأة واعتماد قوانين داعمة للأبوين لإتاحة اهتمام كل منهما بالأسرة مثل استحداث إجازات والدية واعتماد أوقات عمل مرنة لهما. كذلك، يتطلب تعزيز موقع النساء في المجتمع والأسرة عملاً دؤوباً لتطوير الثقافات الرائجة التي تتناقل صوراً سلبية وغير متكافئة عن الرجال وعن النساء وتؤثر بذلك على السلوكيات. لذا حرصت الهيئة الوطنية في لبنان مع شركائها على تضمين الاستراتيجية الوطنية للمرأة التي تم رسمها لغاية العام 2030 أهدافاً تناولت إلى جانب تحقيق الاستقلالية الاقتصادية للمرأة، اعتماد مبدأ المساواة بين الجنسين في النصوص التشريعية وفي السياسات العامة، وجعل الثقافة السائدة مبنية على مبادئ حقوق الإنسان للرجال والنساء. وهنا نعوّل على التعاون البناء مع شركائنا ومنهم هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، في مجال التمكين الاقتصادي واقتصاد الرعاية. “
وختمت: “أملنا كبير أن يوصلنا السير بهذه التوجهات إلى مجتمع أكثر عدالة وانصافاً في حدود العام 2030. أشكر لكم مشاركتكم وحضوركم وأشكر منظمة المرأة العربية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة على مشاركة لبنان في تنظيم هذا اللقاء، كما أشكر كل من مصر وألمانيا والأردن والمغرب وعمان وإسبانيا والسويد على التعاون معنا لعقد هذا الحدث الجانبي بمناسبة الدورة 68 للجنة وضع المرأة.”
بعدها ألقت الدكتورة كيوان كلمة قالت فيها: ” لقد وضعت مهام كثيرة غير مدفوعة الأجر تجمعت تاريخيا ووضعت أمانة بين ايدي النساء ، وذلك منذ ولادتهن وبحسب هويتهن الجنسية. ينظر لمهام الرعاية غير مدفوعة الاجر نظرة دونية؛ كونها عملية روتينية بعيدة عن الفكر والإبداع . وتظهر هنا التناقض والثنائيّة التي أطلقهما الفيلسوف أفلاطون حول المادة والروح؛ والحسي والنظري؛ والعملي والفكري. للأدوار النمطية تداعيات سلبية كثيرة على الرجل كما على المرأة؛ حيث يقع الرجل ضحية الإقصاء والتهميش عن حياة الأسرة؛ ليصبح لا يعني لها شيئا غير كونه مصدرا للموارد.”
أما الدكتورة بحوث فقالت في كلمتها: ” يلعب الرجال والفتيان دورًا رئيسيًا في اقتصاد الرعاية. وتُظهر بياناتنا أن تقاسم المسؤوليات المنزلية على قدم المساواة بين الرجال والنساء أمر أساسي لتحقيق أسر ومجتمعات مزدهرة. وأن الأبوة الإيجابية تؤدي إلى زيادة تمكين النساء والفتيات. يرغب 62 % من الآباء الذين شملهم الاستطلاع من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة في المنطقة العربية في الحصول على إجازة أبوة أطول وقضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم. الإصلاحات القانونية لإجازة الأبوة هي خطوة مهمة للسير في الاتجاه الصحيح.”
ثم أشارت الدكتورة مرسي في كلمتها أن: ” إن قـصر مسـؤولية أعمـال الرعايـة غيـر مدفوعـة الاجـر على المرأة يمكن أن يعرقل مشـاركتها في سـوق العمـل. فعـلي مسـتوى العالم، تقـوم النسـاء بثلاثـة أضعـاف اعمال غيـر مدفوعـة الأجـر مقارنة بالرجـال ولذلك تعتبر مسئولية أعمال الاقتصاد الرعائي مسئولية غير متوازنة ، ولكـن لا يجـب النظـر إلي هـذه النتيجـة على أنها قدر النسـاء، بـل العكس، فإن السياسـات الاقتصاديــة التــي تعــرف بالأعمال غيــر مدفوعــة الأجر وتســعى إلي الحــد منهــا وإعــادة توزيعهــا يمكنها أن تزيـد مـن مشـاركة المرأة في القـوى العاملـة وتعزيـز النمـو الاقتصادي المستدام والمساواة بـين الجنسين.”
وقالت السيدة بني مصطفى : “نقص الرعاية ميسورة التكلفة التي تقدمها الحكومات جعل مسؤولية الرعاية تقع أساساً على الأسر. ورغم ازدياد عدد النساء العربيات في سوق العمل، فإنهن يواصلن تحمل مسؤوليات الرعاية الأسرية في المنزل، أي يعملن في ما يسمى “المناوبة الثانية.”
وأكدت الدكتورة حيار: “يعد اقتصاد الرعاية من ركائز نهوض المجتمعات. والحكومة المغربية على وعي بالأهمية التي تنطوي عليها مسؤوليات الرعاية وأهمية احتسابها اقتصاديا خاصة وإنها الميدان الذي يستغرق الوقت الأكبر من طاقات النساء.
وقد تجلى هذا الاهتمام في الخطة الحكومية للمساواة حيث اعتبرت في محورها الاقتصادي أن اقتصاد الرعاية إحدى اهم رافعات تمكين المرأة. ونعمل في المغرب على بلورة سياسة اجتماعية اسرية لتقديم خدمات مواكبة الأسرة وتشجيع الاستثمار في خدمات الرعاية”.
واعتبرت السيدة Redondo García أن: ” “تتعدد سُبل تحقيق المساواة لتشمل سن قوانين وتشريعات تتعلق بالتعليم، والعمل على سد فجوة الأجور وتوفير التمويل اللازم لذلك، وتوفير سياسات اجتماعية داعمة للمرأة.”
و أشارت السيدة Brandberg إلى أن: “قبل خمسين عامًا، كانت السويد أول دولة في العالم تمكن الآباء من البقاء في المنزل مع أطفالهم بإجازة أبوية مدفوعة. حق النساء والرجال في العمل ودعم أنفسهم، وكذلك تحقيق التوازن بين العمل والحياة العائلية، هو أحد مفاتيح نمو وازدهار بلادنا. من خلال استثماراتنا في التنمية الدولية، نحن أيضًا نستثمر بفخر في تعزيز المساواة داخل الأسر وخارجها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في المنطقة العربية.”
كما شاركت افتراضياً السيدة Schulze فقالت في كلمتها: ” تحتاج المجتمعات إلى المزيد من عوامل التغيير للتغلب على الأنظمة الراسخة للنجاح، ولهذا السبب، أدعوكنّ، أيها السيدات، لمواصلة كفاحكنّ من أجل تحقيق تكافؤ الفرص ولتكنّ قدوة تُشعل التغيير. وفي الوقت نفسه، هذا الأمر صحيح أيضًا بالنسبة لكم أيها الرجال، لتكونوا نماذج يُحتذى بها. حان الوقت للإهتمام!”
كذلك قالت السيدة البوسعيدي أن: ” القانون العماني يمنح اجازة وضع مدتها 98 يوما، كما يمنح المرأة اجازة ستة أشهر بدون أجر. ويلزم أصحاب الشركات بتخصص مكان للأطفال اذا زاد عدد العاملات عن 25. ويمنح اجازة ابوة للرجال مدتها 7 ايام، وتؤكد استراتيجية وزارة التنمية الاجتماعية على مسؤولية كلا الأبوين في رعاية الأبناء.”
وتلت الوزيرة السابقة الضيقة حمزة الملاحظات الختامية فأشارت إلى أن: ” التشريعات تلعب دورًا حاسمًا في ضمان التوزيع المتساوي بين للنساء والرجال في تقديم الرعاية والواجبات المنزلية. ويشمل ذلك سياسات مثل تبني نظم عمل مرنة، وتوفير إجازة أبوة متساوية، وفتح دور الحضانة في أماكن العمل على أساس عدد الموظفين الذكور والإناث. كما تحتاج الحكومات إلى خلق بيئة تمكينية لتوظيف المرأة، كما تحتاج أيضًا إلى الاستثمار في اقتصاد الرعاية غير الرسمي وتوسيعه وتنظيمه، وتحويله إلى قطاع إنتاجي يوفر فرص عمل لكل من النساء والرجال، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الشيخوخة السكانية”.