“القوانين الطائفية تشرع العنف ضد المرأة وزواج القاصرات

المواجهة بمعالجة الأسباب السياسية والقانونية والاقتصادية – الاجتماعية”  

أقامت جمعية مساواة وردة بطرس للعمل النسائي ولجنة حقوق المرأة اللبنانية، بالشراكة مع الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان والنجدة الشعبية اللبنانية، ورشة عمل في بيروت فندق الكومودور، الحمراء، يومي السبت والأحد 3 و 4 تشرين الثاني 2018، وذلك في إطار مشروع “تمكين اللبنانيات واللاجئات في لبنان من ممارسة حقوقهن للقضاء على التمييز والعنف ضد المرأة” الذي تنفذه الجمعيات اللبنانية بدعم من الوكالة الكتلانية للتعاون التنمويACCD، وبالتعاون مع مؤسسة التضامن والسلم الكتلانيةCCOO والجمعية الكتلانية من أجل السلامACP. شارك في افتتاح ورشة العمل الوزيرة السابقة د.وفاء الضيقة، نائبة رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، يسرى الصيداني ممثلة رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، ورئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور، ومنى عقل ممثلة رئيس بلدية عاليه وجدي مراد، وشخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية، و 50 مشاركة ومشاركاً من الجمعيات المنفذة للمشروع وهيئات المجتمع المدني اللبنانية والفلسطينية.

افتتحت ورشة العمل بالنشيد الوطني اللبناني، وكلمة ترحيبية لمنسق عام المشروع د. سمير دياب، أشار فيها إلى أن هدف المشروع هو ” التوعية والعمل من أجل: الحد من ظاهرة الزواج المبكر واستغلال القاصرات. وقف التعدي والعنف على حقوق الطفل تحت ستار قوانين الأحوال الشخصية الطائفية المعمول بها في لبنان والتي تشرع العنف والزواج المبكر. تعزيز دور الدولة ومؤسساتها لمنع استغلال الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين واللاجئات السوريات في لبنان. إلغاء قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التمييزية، والتعاون مع البلديات لمواجهة ظاهرة زواج القاصرات والعنف ضد المرأة”.

الوزيرة د. وفاء الضيقة ألقت كلمة الافتتاح  قالت فيها:” يشرفني أن أشارك معكم اليوم في افتتاح ورشة العمل التي تعقد تحت عنوان  “لا للزواج المبكر والعنف ضد المرأة ” ، وأتوجه بالشكر والتقدير الى الجهات المنظمة والداعية جمعية مساواة –وردة بطرس ولجنة حقوق المرأة اللبنانية على دعوتهم وتنظيمهم ورشة العمل  وتخصيصها لمعالجة ظاهرة  خطيرة تواجه النساء والفتيات في مجتمعاتنا ليس فقط في لبنان بل على المستوى العالمي.

إن أكثر من نصف نساء العالم يتعرضن للتمييز والاستغلال أي اكثر من 2.7 مليار امرأة ، وتسجل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أدنى  معدلات الحماية للنساء من العنف الأسري، وبالرغم أن تقرير البنك الدولي لهذا العام  حول المرأة والعمل والقانون  قد بيّن أن لبنان حل في المرتبة السادسة كأقل البلدان تمييزا بحق المرأة وفق مؤشرات التقرير، إلا ان التقرير نفسه يسجل لبنان في أدنى سلم البلدان التي توفر حماية  للنساء من العنف الأسري والتحرش في العمل على مستوى المنطقة والعالم. ومناهضة العنف دونه معوقات أساسية : أولها أن النساء والفتيات حتى يومنا هذا لا يتمتعن بالمواطنة الكاملة اسوة بالرجل.

والواقع أن المنظومة القانونية والتشريعية  لم تشكل أساسا كافيا لحماية النساء والفتيات من العنف بل كانت في بعض النصوص تشجع على أفعال العنف ضدهن، (ومن الأمثلة الفاقعة (ما كان يعرف بالعذر المحل والعذر المخفف  في قانون العقوبات) ، وفي التمييز في الإرث، وفي قوانين الأحوال الشخصية التي تسمح بتزويج الطفلة في سن التاسعة، واللائحة طويلة.

يرتبط بهذا تطبيق الدستور اللبناني الذي التزم في مقدمته مباديء حقوق الانسان، والذي للأسف الشديد  عندما بتعلق الأمر بالنساء يصبح غير ملزم والأمثلة كثيرة – التحفظات التي ابدتها الدولة اللبنانية على اتفاقية الغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، والتمييع والمماطلة في اقرار قانون الجنسية،

امام هذا الواقع يسترعي الانتباه تزايد الوعي المجتمعي المناهض للعنف ضد النساء والفتيات، والأهم أيضا  وعي النساء أنفسهن لرفض العنف ، وكسر زجاج الصمت ، لا سيما أن النساء اليوم يحصلن على الدعم المعنوي من العائلة ومن محيطهن، ومواكبة من الإعلام، ولم تعد التنشئة على القبول بالقدر فعالة. يواكب ذلك عمل مؤسسي منهجي مرتبط بتطبيق قانون حماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف.

إلا أن مناهضة العنف والتصدي له بفعالية يستوجب مقاربة شاملة من قبل الدولة ومعالجة متكاملة لجوانب اجتماعية وتربوية واقتصادية، وليست فقط إقرار القانون على أهميته. ولا يتحقق الا عبر وضع اطار سياساتي شامل، يعرّف العنف ضد النساء والفتيات  بكافة اشكاله الجنسية والنفسية، واللفظية والجسدية، والممارسات الضارة ضد النساء والفتيات ، وفي أماكن العمل وضمن الأسرة، وفي الأماكن العامة، ويجرم العنف واعتباره انتهاكا لحقوق الانسان. هذا الاطار الشامل يرتكز على العناصر الأربعة التالية:

الوقاية : عبر التوعية واجراء الدراسات  وجمع البيانات والاحصائيات ونشرها، وتضمين المناهج التربوية والثقافية مواد حول العنف وحقوق الانسان ، ودور الاعلام أساسي في عملية الوقاية والتوعية

الحماية : عبر تأمين مراكز آمنة لحماية الناجيات من العنف ومراكز تأهيل لمرتكبي العنف

الملاحقة والمعاقبة: عبر تجريم العنف وإصدار الأحكام التي تتناسب وخطورة الجرائم

والتعويض على النساء والفتيات اللاتي يتعرضن للضرر …

هذه العناصر التي تشكل ركيزة أساسية لأي اطار وطني يجب أن تستتبع بالقوانين والقرارات التنفيذية والموازنات المناسبة من قبل الدولة من اجل تأمين وصول النساء الى العدالة ومن أجل أن تتمتع كل سيدة وفتاة بحياة خالية من العنف.

انطلاقا من هذه العناصر الأساسية تستكمل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية عملها محاربة العنف ضد النساء التي تشكل أولوية  ضمن الاستراتيجية الوطنية العشرية (2011-2021)  وخطة العمل التي انبثقت عنها  والتي نعمل على تنفيذ بنودها بالشراكة مع الهيئات النسائية والمنظمات المتخصصة مثل  كفى عنف واستغلال وأبعاد إضافة الى الوزارات المعنية والبلديات ، ويتم ذلك  على مستويات عدة:

 

المستوى الأول عبر رفع الوعي حول مخاطر العنف ضد النساء الذي يشكل ركيزة أساسية في الوقاية ومنع حدوث العنف واطلاق عدد من الحملات التثقيفية والإعلامية في بيروت وكذلك في المناطق النائية ، واشراك الجيل الشاب في التصدي للعنف وفي نشر ثقافة عدم التساهل مع العنف الذي يستهدف النساء والفتيات.

المستوى الثاني: وضع خطط العمل و استكمال تعديل القوانين،  فبعد الغاء المادة 522 من قانون العقوبات والتي كانت تجيز افلات المعتدي من العقاب،  تم تقديم مشروع قانون لإلغاء مفاعيل هذه المادة عبر تعديل  المواد   505 و519 وإلغاء المادة 518  التي تتعلق بمجامعة قاصر وعدا بالزواج والتي تعفي المغتصب اذا تزوج الضحية والتي تشكل تكريس مبطن للتزويج المبكر والزواج بالإكراه.

وحاليا تتابع الهيئة مع اللجان البرلمانية المختصة اقتراح قانون حماية الأطفال من التزويج المبكر الذي يمنع الزواج على الأراضي اللبنانية قبل بلوغ سن ال18 للذكر والأنثى. حيث كلفت الهيئة بدمج اقتراحات القوانين التي قدمت سابقا، وبات الآن في عهدة لجنة الإدارة والعدل النيابية. ولا شك ان إقرار هذا القانون يشكل التحدي الأبرز في ظل منظومة قوانين الأحوال الشخصية الطائفية، وأن إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية يبقى هو الضمانة الأساسية  لتحقيق المساواة والعدالة بين النساء والرجال فيما يتصل بشؤونهم الشخصية،  الا أنه وريثما يتحقق ذلك لا بد من فتح قنوات حوار مع المرجعيات الروحية لا سيما المتنورين منها من أجل دمج مفاهيم حقوق الانسان في قواعد عمل وفي ممارسات المحاكم الروحية..

وبالتعاون مع وزارة العدل ومنظمة كفى تمّ تقديم مشروع قانون الى الحكومة لتعديل قانون العنف الأسري لجهة أوامر الحماية وتوسيع دائرة تلقي الشكاوى ، وتشديد العقوبة على الجريمة ، والمشاركة مع حملة أبعاد لتعديل الفصل السابع من قانون العقوبات لتشديد العقوبة على جرائم سفاح القربى لتصل الى المؤبد.

وتعد الهيئة حاليا خطة عمل لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والأمن والسلام وتضع الموازنة الخاصة بها لتنفذ بالتعاون والشراكة مع الهيئات والمؤسسات الرسمية والمدنية

المستوى الثالث: المساهمة في بناء قدرات الأجهزة التي على تماس مع حالات العنف، والتي بدأت في  تنظيم دورات لقضاة الأمور المستعجلة.

المستوى الرابع: تقديم المساندة للناجيات من العنف عبر العمل على استحداث مركز موحد للخدمات لدى الأمن الداخلي حيث ستكون البداية في ثكنة الوروار ، وعبر اطلاق الخط الساخن 1745 لتلقي شكاوى العنف الأسري استكمالا لتفعيل تطبيق القانون الخاص بذلك بالشراكة مع كفى وقوى الأمن الداخلي. ان هذه الجهود يجب ان تستكمل في وضع نظام إحالة واضح وفعال لمراحل الوصول الى العدالة للنساء المعنّفات منذ وقوع العنف حتى تنفيذ الحكم وردع المعتدين ومقاضاتهم.

تبقى في الختام وجود الإرادة السياسة الحاضنة والداعمة لهذه القضية ووضعها في سلم الأولويات.

أتمنى لكم ورشة عمل ناجحة واجدد الشكر للجنة مساواة-وردة بطرس وللجنة حقوق المرأة.”

 

من ناحيتها أشارت ممثلة رئيس بلدية بيروت يسرى الصيداني، إلى “عدم وجود إحصاءات دقيقة حول زواج الفتيات القاصرات في لبنان، ولكن وبحسب الأرقام الأولية فإن نسبة تزويج الفتيات القاصرات في بيروت مرتفعة (حوالى 6-8%)، خصوصاً في الأحياء الفقيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وأيضاً دور العادات والتقاليد التي تعتبر أن حماية الفتاة تكون بتزويجها”، متسائلة “كيف يسمح بإبرام عقد زواج لفتاة دون الـ 18 سنة ولا يسمح لها بالانتخاب أو الاستحصال على رخصة قيادة”.

وحول أسباب زواج القاصرات فإنها تكمن في “الفقر، الجهل الفكري، الاعتقاد بحماية الفتيات شرف الاسرة، الحاجة الى الاستقرار، تقاليد وعادات موروثة، والمواجهة تكون في تعليم المرأة كوسيلة لاندماجها الفعلي في التنمية لأن التعليم يضمن ازدهار فكر المجتمعات و يؤدي الى تطورها ونموها. والمرأة عماد الأسرة وتحسين حالتها شرط لإصلاح المجتمع”.

وختمت الصيداني كلمتها بتأكيد أن “للبلديات دورها في مواجهة زواج القاصرات وفي هذا الإطار “تعمل بلدية بيروت للحد من زواج القاصرات من خلال العمل في المدارس الرسمية وفي الأحياء الفقيرة لنشر التوعية على المخاطر الناجمة عنه”.

رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور رأى في كلمته أن “العنف ضد المرأة انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان إذ يمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة، وله عواقب خطيرة لا تقتصر على المرأة فقط، بل يؤثر في المجتمع بأكمله، والعنف لا يعرف ثقافة أو ديانة أو بلداً أو طبقة اجتماعية، بل هو ظاهرة عامة ينبغي التصدي لها بقوة عبر وعينا لحجم هذا التهديد المحدق والذي يزداد باطراد، والتصدي لا يكون إلا عبر سياسة وطنية صارمة وتكافل اجتماعي متين، سياسة وطنية تبدأ من المناهج الدراسية التي يجب أن تضم برامج للتعريف بالعنف ضد المرأة وحمايتها منه، ونشر الوعي الصحي والثقافي حول هذا الموضوع، إلى جانب الخطط الاقتصادية التي تمكن المرأة من تعزيز دورها في المجتمع وإبرازها كعضو فاعل فيه من خلال تمكين مهاراتها وتطوير قدراتها، وتعزيز المساواة بينها وبين الرجل وتقديم فرص متساوية لكل منهما”.

وأكد منصور أن “الزواج المبكر هو أقسى وأعنف أشكال العنف ضد المرأة، هو حرمانها من حق التعليم وبناء شخصيتها وتطورها، هو حرمانها من حق السلامة الجسدية بسبب ما ينتج عن الحمل في سن مبكرة وتأثير ذلك على الصحة، هو انتهاك حق الكرامة الإنسانية. وهل من عنف أقسى؟”. لافتاً إلى أن بلدية برج البراجنة وضعت “خطة عمل واضحة تنظر بمساواة كاملة إلى المرأة والرجل، لذلك وضعنا العديد من برامج تمكين المهارات من ورش عمل ودورات تدريبية في مختلف المجالات من أجل خلق فرص للمرأة اللبنانية واللاجئة”.

منى عقل، ممثلة رئيس بلدية عاليه لفتت إلى أن “قرار الزواج المبكر للفتاة ليس بيدها، بل يعود إلى قوانين الأحوال الشخصية والعادات والتقاليد والأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية، لذلك فإن بلدية عاليه تعمل على إنشاء جمعيات لنشر الوعي ودعمها، خصوصاً داخل الأسرة حيث يشكل الزواج المبكر أحد أسباب تفككها”.