كلمة السيّدة كلودين عون روكز رئيسة الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة خلال افتتاح منتدى Mind the Gap من تنظيم جمعية الطاقة الوطنية اللبنانية. 10-11-2018

 

فخامة رئيس الجمهورية

حضرة الأفغانية الأولى

أيها الحضور الكريم

 

يَسُرُّني أن  أشاركَكم مُنتَدى جمعية الطاقة الوطنية اللبنانية، تحت عنوان”Mind The Gap”، الذي يُقام برعاية فخامة ​رئيس الجمهورية​ اللبنانية العماد ​ميشال عون​، والذي يهدف إلى تسليط ​الضوء​ على التغيرات المُنتظرة في العقلية اللبنانية،  كما وتحديد المهارات عبر حلقات حوار تُبرِزُ التحديات في القطاعات الخاصة والعامة وفي ​المجتمع المدني​.

 

إن عصرَنا هذا، هو العصر الأول في الأزمنة الحضارية التي تُتاحُ فيه للنساء، إمكانية المشاركة فعلياً في بناء الحضارات، إذ باتت لهنَّ القدرة على المشاركة إلى جانب الرجال، في اتخاذِ القرارات المصيريّة في الحياة الخاصة، كما في الحياة العامة، وفي المشاركة في اتخاذ القرارات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

فإنطلاقاً من تحليل ودراسة واقع مجتمعِنا اليوم، نرى أنّ النساءَ اللبنانيات، قد دخلنَ معتركَ تحديات عالمِنا الحديث، وبجهودِهّن قد توصّلنَ إلى التَّقدُم، بل التَفوّق في المجال العلمي والمهني.

لقد حققنا في لبنان المساواة بين النساء والرجال في مجال التعليم والتحصيل الجامعي، وهذا التقدم بات ينعكسُ على الصعيد المهني، والناس باتوا يضعونَ ثقتَهم من غير ترددٍ في المحامية أو في الطبيبة أو في الصيدلانية أو المهندسة أو القاضية. وباتت النساء يتساوينَ في الأعداد تقريباً مع الذكور في القضاء، كما في المحاماة، وهنّ حالياً يشكلنَّ حوالي 24 بالمئة من الجسم الطبي، وأكثر من 18% من أعداد المهندسين و 70% من الصيادلة.

كذلك تتقارب أعداد الأساتذة الجامعيين بالنسبة إلى الذكور والإناث في معظم الجامعات والمعاهد العليا، ونشهد تقدماً ملحوظاً في عدد الجامعيّات النساء، اللواتي بِتنَّ يَشغَلنَ منصبَ عميد كلية.

كما استطاعت المرأة اللبنانية أن تثبت وجودها في عالم الأعمال والتجارة والتكنولوجيا، وتتخطى العديد من التحديات لتصلَ إلى المراكز الإدارية وتُثبِت قدراتِها وجدارتَها.

من جهة أخرى كلنا يعرفُ الدور الذي تلعبُه المرأة اللبنانية في الحياة الثقافية والفنية، في تنمية الذوق وفي نشر الفنون، فالمرأة اللبنانية، هي امرأة قويّة ومثقفة ومناضلة وطموحة.

 

لكن، وبالرغم من نجاح المرأة اللبنانية في أن تكون محرِّكاً أساسياً لتطوّر المجتمع، إلا أن وجود جملة من التشريعات المُجحِفة بحقها من جهة، وشيوع بعض الثقافات المجتمعية التي تَستندُ إلى الصورة النمطية للمرأة والمجتمع الذكوري من جهة أخرى، ما زال يعيق مسيرَتَها ويمنعُها من الاستفادة وإفادة المجتمع من حولها من طاقاتها وخبراتها.

سيداتي سادتي،

إن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، إنطلاقاً من مهامها الاستشارية والتنسيقة والتنفيذية في ما يتعلق بقضايا المرأة، تعمل على تقليص الفجوة القائمة بين واقع الدور النَهضوي الذي تقوم به النساء فعلياً من جهة،  وبين اعتراف القانون بمواطنيةٍ كاملة لهنّ من جهة أخرى، وذلك من خلال السعي إلى تعديل كافة القوانين المجحفة بحقّ النساء.

فعلى صعيد مشاركة المرأة في الحياة السياسية، أحرزت الإنتخابات النيابية تقدماً ملحوظاً في عدد المرشحات الذي بلغ 86 امرأة مقارنة ب 12 فقط عام2009 ، و90 % منهن يحملن شهادات عليا،  ولكن بالرغم من المبادرات المتعددة الهادفة إلى تعزيز ترشّح النساء في الانتخابات، فقد تردّدت الأحزاب بشكلٍ عام في زيادة عدد المرشحات على لوائحها، إذ أن 9 فقط من أصل 86 مرشحة كنّ على لوائح الأحزاب الستة الأساسية، وبالتالي لم يحصُدنَ سوى ستة مقاعد  مقارنة ب أربعة عام 2009.

لذا تعمل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة على تعديل القانون الإنتخابي لتضمينه كوتا نسائية وذلك لفترة محددة من الزمن، بُغيةَ كسر حلقة الممارسات السياسية الخاطئة، التي تَحولُ دون إقدام النساء على الترشح، ودون مبادرة الأحزاب السياسية إلى إدراجِهن على اللوائح الانتخابية.

وفي هذا الإطار، كلنا أمل في أن تأخذ كل الأحزاب اللبنانية بعين الإعتبار، الكفاءات النسائية القادرة على تحمّل المسؤوليات الوزارية عند تشكيل الحكومة العتيدة.

ولا يزال هناك نقص في إزالة  كافة المواد التمييزية التي تطالُ النساء في قانون العمل وفي التقديمات الاجتماعية التي يؤمنها صندوق الضمان الاجتماعي، من هنا نهدف في الهيئة الوطنية إلى الوصول إلى المساواة المُطلقَة في الحقوق كما في الواجبات في هذا القطاع.

كذلك نسعى إلى حمل المشرِّع اللبناني على إعادة النظر في قانون الجنسية  الذي يَحرِمُ المواطنة اللبنانية من حقِّها بنقل جنسيتها إلى أولادها إن تزوجت من غير لبناني، ولقد انتهينا في هذا الصدد من إعداد مشروع تعديلي لقانون الجنسية بما يضمن المساواة بين الجنسين من جهة ويحترم مبادئ الدستور اللبناني من جهة أخرى.

وبعد الخطوة الإيجابية التي تحققت من خلال إبطال المادة 522 من قانون العقوبات، والتي كانت تُعفي المُغتصِب من العقاب إذا تزوج من الضحية، نسعى إلى تصحيح المواد القانونية التي لا تزال تسمح بإفلات المُرتكب من العقاب، في حالة مجامعة قاصرة عمرها بين 15 و 18 سنة.

كذلك نطالب بتشديد العقوبة على المعتدي وبالإسراع بإصدار الأحكام، في كل قضايا العنف الأسري، وفي هذا الإطار، نعتبر أن تخصيص المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مؤخراً، الخط الساخن 1745 لتلقى شكاوى العنف الأسري، وطالما كانت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة تُطالب به بالشراكة مع منظمة “كفى”، هو إنجاز ونقطة ٌإيجابية في مسيرتنا النضالية ضدّ العنف.

ونحن نطالب اليوم باستحداث مركز موحد ومتخصص تابع للأمن العام لاستقبال وحماية وخدمة ضحايا العنف الأسري، كما نطالب بإقرار قانون يجرّم التحرّش الجنسي بأشكاله كافة، ونسعى إلى استحداث قانون لمنع تزويج الأطفال.

ذلك إلى جانب عملنا المستمرّعلى تمكين النساء من خلال تنظيم دورات تدريبية تعزّز مهاراتهنّ، وإطلاق حملات توعوية صحيّة وبيئيّة وتربويّة ، كذلك نعمل مع إدارة الجامعات لإدماج مفاهيم المساواة بين الرجال والنساء والحقوق الإنسانية للمرأة ، في البرامج الأكاديمية في مختلف الكليات. ونسعى إلى تغيير نهج الإعلام والإعلان في التعامل مع صورة المرأة.

وقد ساهمنا في حثّ بعض الإدارات الرسيمة على اتخاذ إجراءاتٍ من شأنها أن تخفّف َمن الإجحاف بحق النساء، كإصدار تعميم لإدراج أسماء أولاد النساء المطلقات على إخراج قيدهنّ العائلي، وذكر شهرة الأم على جواز السفر اللبناني، واعتماد مبداً المساواة في المدارس والمعاهد التعليمية، بين التلامذة اللبنانيين وإقرانِهم أولاد اللبنانيات المتزوجات من أجانب.

وأعدت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة بالتعاون مع مختلف الوزارات ووكالات الأمم المتحدة، مشروعاً لخطة عمل وطنية   لقرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والأمن والسلام، وهو الوثيقة الدولية الأولى التي تناولت المرأة في النزاعات ليس فقط بصفتِها ضحية، بل أيضاً بصفتِها فاعلة في المجتمع ولها دور بتأمين أمنه وسلامه.

ولنا هنا أن نشير إلى ازدياد نسبة النساء في صفوف الجيش اللبناني وقوى الأمن، وهنّ قد أثبتنَ على مرّ السنين أنهنّ ناجحات في جميع ما أُسنِدَ إليهنَّ من مُهمّات، وبِتنَ اليوم في مراكز قيادية رائدة في المجالات الأمنية.

 

 

أيها الحضور الكريم

 

إن كلَّ نهضة حقيقية تمّت عبر العصور، وارتقت بالمجتمعات إلى مستوى إجتماعي وسياسي وإقتصادي أرفع، بدأت بتغييرات بسيطة ومتنوعة على الصعيد القانوني والثقافي والتوعوي،  وانتشرت وتطورت وصولاً إلى تحقيق قفزة نوعية، حرّرت هذه المجتمعات من القيود التي أعاقت تفعيل طاقات مواردها البشريةّ.

في ختام كلمتي، أدعو كلَ لبنانية وكلَ لبناني، إلى نهضة جديدة، نتكاتف ونتعاون من أجل انطلاقتها، ونوحِّد طاقاتِنا لبناءِ مجتمع يرتكز على ثقافة النمو الشخصي للمواطنين والمواطنات، ثقافة احترام الرأي الآخر، ثقافة فهم متطلبات تحقيق التنيمة المستدامة، كي ننقل إلى أجيالنا الآتية، قِيَم المودة والتعاون والسلام، قِيَم الشعور بالانتماء إلى وطن نريده أجمل وأنجح الأوطان، وطن يفتخر به شبابُنا وشاباتنُا.

أتمنى لكم التوفيق في هذا المنتدى وشكراً